samedi 16 septembre 2017

زواج المسلمة بغير المسلم جائز شرعا مشروع قانونا : دراسة دينو-قانونية



كثر اللغط - وما أكثر اللغط في الهنا التونسي و الآن المابعد ثوري -  حول مسألة أسالت من الحبر و أطلقت من الألسن ما حتم تقديم هذه الدراسة الجامعة بين الإطارين الديني و القانوني عساها تفصل المقال ببيان ما بين الشريعة و القانون من اتصال، ألا و هي مسألة زواج المسلمة بغير المسلم
ما حكم هذا الزواج ؟ هكذا ينطرح السؤال الديني ؟ ما مآل هذا الزواج ؟ كذا يُطرح السؤال القانوني

المقاربة الدينية للمسألة
منذ قرون خلت و إلى اليوم شهد العقل الفقهي الإسلامي (هشام البنا ، قضية تجديد الفقه الإسلامي ) حالة من العطالة عجلت بسباته العميق الذي تلازم مع داء التقهقر الحضاري الذي ألم بالأمة الإسلامية منذ القرن الحادي عشر ميلادي، كان من أهم تجلياته على المستوى الفقهي أن ضُيّق من مجال الاجتهاد و أحيط بهرمية إكليروسية تحتم استبعاد المغضوب عليهم و الضالين –وما أكثرهم حسب الأدبيات المشيخية - من ممارسة صلاحية الاجتهاد و احتكاره من المرضي عليهم سلطانيا و - ما اقلّهم ، حتى أغلق بابه نهائيا و تم فقؤ أعين النظر في الواقع المحيط بالنوازل  و لا بديل وجدناه لهذا الداء غير الاقتصار على نقل اجتهادات ''الجهابذة'' النَّحارير '' و شرحها و التنكيت على حواشيها ...
و لم يغير عصر ما سمي بالنهضة الإسلامية من هذا الحل إلا النزر اليسير ، اللهم إشراقة الأفغاني و تلميذه عبده قبل أن يحول وجهتيهما محمد رشيد رضا ، و آية ذلك ما ردّ به محمد الطاهر بن عاشور على سؤال الطاهر الحداد إزاء لباس المرأة الذي يختلف في نظر شيخ الزيتونة حسب نوع المرأة  بين الحُرة و الأمَة في الوقت الذي طوت ، أو توهمنا أنها طوت فيه حضارة الإنسان مؤسسة الرق ، (امرؤتنا بين الشريعة و المجتمع ، الطاهر الحداد ) و لاحظْ أننا قلنا نوع المرأة لا وضعها نظرا لأن الأنظمة القانونية  للحرة و الأمة صلب المدونة الفقهية تنطوي على اختلاف صارخ يلقي بضلاله على كل المستويات
و إذا ما بحثنا عن موقف الشرع من هذه المسألة وجدناها خلافية كعَظُم قضايا الفقه الإسلامي ، و يهمنا هنا إيراد بعض الملاحظات المنهجية الهامة
1-              في تعريف المسلم و المسلمة و مقابليهما :
اعلم –أعزني الله و إياك -  أن معظم المتعاطين مع هذه الموضوعة قد تردوا في خطأ فادح مؤثر على مجمل الطرح باعتبار ضرورة  التماسك في الأفكار  المتعالقة و المتراصفة ، ، و تعزى هذه الهفوة المنهجية إلى تغافلهم عن تحديد مقصودهم من عبارة المسلم .  فما بني على باطل فهو باطل ، قاعدة أصولية لا مراء فيها ، تجد لها مصداقا في قضية الحال ، ذلك أن المقدمة الصغرى (زواج المسلمة بغير المسلم باطل) صحيحة و بذلك يوحي وجه الاستدلال بالصحة ، لكن المقدمة الكبرى تنطوي على مغالطة أو خطأ و هو ما نراه متوفرا في صورة الحال ، فالمتعاطين مع القضية انبروا ليفصلوا المسألة منطلقين من مسلمة ظنوها بدهية و ماهي ببدهية و مفادها أن المسلم هو من يستجيب للأركان الخمسة للإسلام ، غير  أنك إذا أنت أمعنت النظر تتبين أن مرادهم بالمسلم هو ذلك المنتسب إلى حضيرة الإسلام على نحو من القدر الوراثي الذي لا دخل لإرادة الإنسان في تحققه .
و على هذا النحو فإن الأم تيريزا ليست بمسلمة ، بل هي كافرة في قاموس أساتذة من جامع الزيتونة (مختار الجبالبي نموذجا) أما أبو بكر البغدادي فهو مسلم من أهل القبلة ، فهذه إذن تجليات لحالة سريالية أو قريبة من السريالية أفرزها تاريخ مديد من الركود الفقهي و الجمود الحضاري (مضطر للجنوح إلى الاحكام القيميةالمعيارية Les jugements de valeurs لضروة الدلالة على المعنى ) الذي أصاب المنطقة و لا أقول الأمة باعتبار الطابع الفضفاض لمفمهوم الأخيرة ، و أعني بالمنطقة شبه جزيرة العرب مضافة إلى الهلال الخصيب ففي الأولى نشأ الإسلام و في الثانية ترعرع . و هي علة اصطباغه إلى اليوم بخصيصتين لا زال يئن من أوزارهما ، الخصيصة الأولى هي الجاهلية (أفحكم الجاهلية يبغون ) و الثانية هي الإرث اللاهوتي الكريستولوجي المسيحي ، فالأولى ورثها من جزيرة العرب التي لا تعرف الحضارة ، إلا الاقتتال الثأري و الافتناء القبلي . (الاسثتناء في إلا هنا منقطع لا متصل) ، أما الثانية فقد حمل مشعلها عند ابتداء توسعه نيابة عن المسيحية التي اخذت في الانحدار مع تنامي الفتوحات .
و لا يذهبنّ في اعتقادك أننا بصدد مقدمة تاريخية بعيدة عن صميم الموضوع ، فلا فهم له إلا بعد التبصر في جوانبه كافة . هذا من جهة أخرى
و من جهة ثالثة و هنا قد لا يكفي التفكير المنطقي الأداتي الآلي الرامي إلى الإقناع لحصول الاتفاق في الآراء ، فإذا أنت تأملت القرآن (النبأ العظيم ) و فتحت لأسراره بصيرتَك ستجده لا يأبه للقول و لا يعتد بالشكل و لا يعمل بالا للصورة بل لا يرى في الأسماء (إلا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) و يعتبر القلب مناط التكليف (كسبت قلوبكم ، عقدتم الأيمان ، ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب .. )
و وجه إسقاط هذا المنزع القرآني صوب المعنى على حساب المبنى ، على موضوعنا يكمن في فساد المعادلة بين الخلاص من حيث هو غاية الإنسان من ناحية  و بين الإسلام وجودا و عدما من ناحية أخرى ، ذلك أن المحقق للخلاص كما يتحصحص من القراءة الجملية أو الوحدوية البنائية بلغة طه جابر العلواني (العلواني ، الوحدة البنائية في القرآن ) أي قراءته كوحدة منسجمة بعيدا عن القراءة الاجتزائية العظينية التي تؤمن ببعض الكتاب و تكفر ببعض ، أن محقق الخلاص ليس أن تكون مسلما فكيف بمن يكون مسلما وراثة و تقليدا إنما هو مختزل في أمرين ،  إيمان مع عمل صالح  فإذا توفرا في غير مسلم فهو برحمة الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر ،  كذا  إذا لم يتوفرا  في مسلم فهو في مقام أدنى
و إذا كان في نفسك ريب مما أقول فاهجر كسلك الفكري و اقرأ الآيات الآتية من القرآن (البقرة111 ، البقرة 112 ، البقرة  113 ، البقرة 135، البقرة  النساء 123 ، التوبة 30)140 ، البقرة 62 ، المائدة 69  ،النساء 123 المائدة 18 ، التوبة 30) .
فتحديد المسلم كما رأينا ليس بالأمر البدَهي المفروغ منه ، و هو ما ينسف الفهم السائد لثنائية المسلم و نظيره سواء كان الكافر أم المشرك
هذا عن المسلم ، أما بالنسبة للمشرك و هو ما يهمنا في الموضوع و ليس غير المسلم كما يشيع في السجالات العامة و الخاصة التي تستهدف المسألة لأن الآية سند المنع (البقرة221) تتناول المشركين لا غير المسلمين و شتان بينهما
و التعريف الشرعي للمشرك كما تواضع على ذلك عدد من الأصوليين و المفسرين غير يسير هو حصرا من يدين بتعدد الآلهة (ابن عاشور ، التحرير و التنوير )، وقد ذهب بعض من المتأولين إلى اعتبار الكتابيين مشركين و منهم مالك بن أنس الإصبحي  الذي قال تلميذه ابن القاسم و هل ثمة شرك أعظم ممن جعل لله صاحبة وولدا في إشارة منه لآيتي (و قالت اليهود عزير + إن الله هو المسيح بن مريم  )
و هي أقوال ينبغي وضعها في سياقها التاريخي ، فنحن نعلم أن المدونة الفقهية المالكية تقوم على تقسيم الكرة الأرضية قاطبة إلى دار حرب و دار سلم ، مع ما ينجر عن ذلك من اختلاف كلي  في الاتجاهات التشريعية في كل مستوياتها خاصة المعاملاتية  متخذين لهم من آيات تذكر أفعالا للشرك في ذيل الحديث عن الكتابيين سندا لهم و أهمها آية  (سبحان الله عما يشركون ، التوبة 31)  في مخالفة صارخة للروح القرآنية التي تميز بينهما أيما تمييز  بل تميز بين الكتابيين أنفسهم (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة .. )
لذلك تصدى لهم طائفة من العلماء الأفذاذ من أمثال الشيخ جمال الدين القاسمي و الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور و الإمام  محمد عبده الأول في محاسن التأويل و الثاني التحرير و التنوير و الثاني في المنار ليؤكدوا أن الشرك صفة لا يعتد بها إلا  إذا جرى عليها الموصوف و أن الوصف لا يعني تحقق الفعل . بل و يذهب  شيخ  الأزهر السابق  سيد طنططاوي في التفسير الوسيط إلى أبعد من ذلك لما عزا من يقحم الكتابيين ضمن المشركين إلى العصبية : '' و ثمة من أدخلوا فيه (الشرك) اليهود و النصارى و في هذا عصبية مذهبية مجافية لمنطق القرآن القسيط ''
فإذا كانت مفاهيم المسلم و المشرك تحمل من المرونة ما يحتم تجاوز المقولات الثابتة عن أحكامهما ، فإن التصدي إلى الأدلة التي ارتكز عليها القوم يمسي أمرا محتَّما .
2) أدلة القائلين بعدم جواز  زواج المسلمة بغير المسلم
اعلم أن دليل المتمسكين بعدم زواج المسلمة بغير المسلم يكمن أساسا (إذا استبعدنا آية الممتحنة 10) في الآية الواحدة و العشرين بعد المائتين من سورة البقرة  ( الحبيب بن طاهر بوصرصار ، الفقه المالكي و أدلته  3-229)، التي تمنع أمرين ، أولاهما يتمثل التزوّج بالمشركات و من هنا جاءت عبارة تاء الفعل المضارع في لفظة تنكحوا مفتوحة ، و ثانيهما يكمن في تزويج المشركين و من هنا جاءت التاء حاملة لعلامة الرفع . و الحقيقة أن علامتي الفتح و الضم تؤشران على معطى فقهي سائد يراعي حال البيئة العربية زمن التنزيل و المتثمل في أن المرأة لا تزوج نفسها بالاستقلال ، بل لوليها عليها حقّ الجبر . أما اليوم و حتى الفقه الإسلامي فقد تطور في اتجاه الحدّ من حق الجبر و إقرار حرية المرأة في زواجها و لو دون موافقة وليها شريطة موافقة القاضي ، و هو موقف يستمد مشروعيته من الإقرا بأهلية المرأة .
و من ناحية ثانية فإن هؤلاء يرون في التحريم حكما لهذا الزواج ، فاقدين بتصورهم هذا لأي دليل شرعي ينهض على تأييد دعواهم ، ملقين بظهورهم لمقولة دعوى التحريم دعوى عظيمة (علي عبد الرازق ، الإسلام و أصول الحكم ) و للقاعدة القائلة بأن أقصى الأحكام يقتضي توفر أقصلى الحجج أي أوضحها و أظهرها . و نحن نعلم أنه و بمقتضى مبدأ البراءة الأصلية فإن الأصل في الأشياء الإباحة و أن النهي في القرآن لا يعني التحريم ضرورة ، فقد يعني الكراهية ، و هنا يكون زواج المسلمة بغير المسلم فاقدا للمعاقبة على فعله ، إنما غاية الأمر أن يثاب على تركه و هو حكم الكراهية . و فرق بين أن لا يعاقب على فعله بل لا يأثم على فعله و بين أن فعله يستوجب الويل و الثبور و العذاب الأليم كما يروّج هؤلاء .
و من جهة ثالثة فإنه من المهم البحث في أسباب نزول هذه الآية التي روي فيها سببين مختلفين السبب الأول رواه  جلال الدين السيوطي في كتابه أسباب النزول و هو أن مرثد بن أبي مرثد حليف بني هاشم ، أرسله الرسول إلى الطائف فوجد بها حبيبته السابقة عن دخوله الإسلام و كانت تسمى  عناق فقالت له  ويحك يا مَرثد ألا تخلو؟ فقال : إن الإسلام حَرَّم ما كان في الجاهلية فقالت : فتزوجني قال : حتى أستأذن رسول الله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها ، لأنها مشركة فنزلت هذه الآية بسببه  .
و السبب ثاني رواه الواحدي في كتابه المعنون بذات العنوان السابق و فيه أنها نزلت في عبد الله بن ابي رواحة ،  و مهما يكن من أمر مناسبه نزولها يستحيل من التعسف التغاضي عن هذه العلة المباشرة رغم وعينا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الموروث التفسيري و الفقهي . و واضح أن خصوصية الوضع المزامن للنزول (الخيانات  ، طراوة الدعوة و حساسيتها ) أسهمت في تبلور هذه القاعدة الفقهية التي لا شيء يمنع من الإقرار بطابعها الوقتي .
و من جهة رابعة فإن الالتفات إلى السياق المحيط بالآية المذكورة يغدو غاية في الأهمية (الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن) لا سيما إذا ساهم في إزالة الغبش من الرؤية و إيضاح المعنى و العبرة منه . فالآية جاءت في معرض الحديث عن اليتامى ، (وهو ما يذكرنا بآية تعدد الزوجات النساء 3+129 +)و قد اختلف الفقهاء فيما إذا كان الآية ابتداء تشريع أو متعلق بما تقدم ، و نقل الرازي في تفسيره (التفسير الكبير ، مفاتيح الغيب ) عن أبي مسلم أن الآية متعلقة باليتامى ، فهي معطوفة على آية اليتامى  و تحث على التزوج بهن عند البلوغ كبديل عن التزوج بالمشركات (مفاتيح الغيب ص 47) و إذا نحن ذهبنا في هذا الاتجاه أمكن لنا أن نقصي من الأساس كل امرأة غير يتيمة و قادرة على التفصي من العنوسة من نطاق الآية
و هو قول نجده عند الإمام محمد عبده الذي يرجحه قائلا فمملوكة مؤمنة غير من مشركة حرة (المنار 2-350 )+ (الأساس لسعيد حوى  514) و مملوك (قن) مؤمن خير من مشرك حر و هذا على ما ذهب  إليه الجمهور 351 من الجزء الثاني من المنار ) . كما رجح ذلك مفسر عالي الطبقة وهو ابن عطية الذي يقول (المؤمنة المملوكة خير من المشكرة و لو كانت ذات الحسب و المال ، المحرر الوجيز ص 194)
)و هكذا يتبين أن الآية جاءت لتبطل العقلية العنصرية و الطبقية التي كانت منغرسة في نفوس العرب من خلال الاعتداد بالإيمان على حساب الوضعية الطبقية (حر-عبد)
و من جهة خامسة فإن اختلاف المفسرين و الفقهاء لم يقتصر على متعلَّق الآية و مناطها، بل تعداه ليقع تخبط و اختلاف ما بعده اختلاف حول قضية شائكة و معركة ضارية و هي معركة النسخ  بين آية البقرة (223) و آية المائدة (5)التي تبيح زواج المسلم بالكتابية علما أن زواج الكتابية بالمسلم مباح أما زواج المسلمة بالكتابي مسكوت عنه مما فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، و علة هذا الاختلاف تكمن في تربع الرجل على عرش الولاية و القوامة و السلطة و هي مراكز شهدت تخلخلا بما يحتم مراجعة الأحكام عملا بالقاعدة الأصولية : الحكم يدور مع علته وجودا و انتفاء ( أبو إسحاق الشاطبي ، الموافقات + ابن عاشور مقاصد الشريعة الإسلامية )
قد لا يعلم كثير من المتفيقهين أن عبارة النسخ شهدت تحولا دلاليا منذ القرن الأول ، ذلك أنها قبل التاريخ المذكور كان المقصود منها جميع ضروب العلاقات التأويلية الرابطة بين أجزاء القرآن من مطلق و مقيد ، خاص و عام ، مجمل و مفصل ، أما بعد التاريخ المذكور فقد أضحت الدلالة المتواضع عليها مقصورة على رفع الحكم بحكم آخر متراخ عنه ( مصطفى زيد ، النسخ في القرآن )  و هو ما لا يقبله القرآن  الذي يقول ''لا مبدل لكلماته'' ، و يقول 'ذلك الكتاب لا ريب فيه'' و يقول ''كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير'' و يقول ''لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه'' . لكنا قبلته تمذهبات العرب و عصبياتهم ففصَّلوا الناسخ و المنسوخ وفق أهوائهم ، و من ذلك مثلا اللخبطة التي أصابت الفقهاء إلى اليوم فيما يهم علاقة آية السيف (التوبة 5 ، أو 29 أو 38) بآيات السلم و الموعظة الحسنة و الإعراض عن الجاهلين العفو و الصفح و هي معان يعج بها القرآن لمن تبصّر .
و ما شهده موضوع الجهاد لم يشذ عنه موضوع زواج المسلمة بغير المسلم . فقد ذهب فريق إلى أن آية المائدة منسوخة بآية البقرة و هو قول مرجوح في نظرنا لشبه الإجماع الحاصل على أن المائدة آخر ما نزل من القرآن ، كيف لا وهي السورة التي تضم آية (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي .. ) مما يجعلنا نميل إلى القول الذي يعتبر أن آية المائدة ناسخة لآية البقرة وهو قول الزمخشري مثلا (الكشّاف 129) ، مع تحفظنا على عبارة النسخ التي علينا استعمالها في معناها السائد قبل القرن الأول ، و عليه فإن العلاقة بين الآيتين علاقة خصوص و عموم ، فإذا منع القرآن زواج العربية المسلمة اليتيمة بالمشرك لمقاصد حينية ، فإنه قد أباح بعد انتفاء علة المنع باتساع الرقعة الديمغرافية للإسلام صلب الآية الخامسة من سورة المائدة مبرزا البعد الزماني المتجلي في قوله سبحانه (اليوم أحل لكم ..) . فقد تبين لك تهافت أدلتهم و تذبذبها ، فهل من حجج من شأنها تأييد إباحة زواج المسلمة بغير المسلم
3) فتوانا في الإباحة و مرتكزاتها المقاصدية .
يجدر الإشارة قبل استهلال نسج خيوط الفتوى إلى أمرين : الأول يتعلق بحجية الفتوى و الثاني يهم طبيعتها المقاصدية ، أما عن الأول فإني مستبق الإجابة عن سؤال ، من أنت حتى تفتي ؟ و ما مؤهلاتك ؟ و هل شاهدناك يوما في فضائية الرحمة حتى تتبوأ هذا المنصب العزيز ؟ أقول إن الفتوى ليست حقا بل فرض عين على كل مسلم و مسلمة ، و هو ما تقتضيه المسؤولية الشخصية (لا تزر وازرة وزر أخرى ) ( العلواني، نحو التجديد والاجتهاد، مراجعات في المنظومة المعرفية الإسلامية ) فعلى المؤمن التحلي بالشجاعة في استنباط الأحكام حتى لا يتنكر المفتي للمستفتي و يتبرأ منه ، و في هذا الصدد يمكن التأمل في هذه الآيات (البقرة 166 ، القصص 93 إبراهيم 21 ، غافر 47 )
و أما عن الثاني فإني ناقل رسالة إلى الأمة بدا لي أن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أراد تبليغها من خلال كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ، و مفادها أن كل علوم الشرع كأصول الفقه و فروعه ليست قادرة من حيث ماهيتها و طبيعتها على بيان أي حكم في أية مسألة . و وعيا منه بسنة التجدد اقترح أن يتم الاستعاضة عن الأصول بالمقاصد ، مسهبا في تفصيل نجاعة الثانية و قصور الأول . و عملا بهذه النصيحة نجد أن زواج المسلمة بغير المسلم يجافي مقاصد كثيرة عناها الشارع الحكيم من وجوه و هي :
1-                مقصد التعارف : و أساسه آية (الحجرات 13 ) فاللذين يقولون بعدم جواز هذا الزواج فهم يصدُرون عن رؤية انكفائية متقوقعة تقوم على النقاء الديني و تذكر بمن يروون في غير المنتسبين لدنهم خارجا عن الإنسانية و ينعتونهم بعبارة  ''الجوييم'' أو 'الغوييم''  . و هي مقولات تنافي هذا المقصد الجليل ( أبو يعرب المرزوقي ، الجلي في التفسير )
2-                مقصد حرية المعتقد ، و هو من أمهات المقاصد لأن في انتفائه نسفا لفكرة التكليف و سنده  آية (البقرة 256) ، و وجه المجافاة يكمن في أن غير المسلم قد يتحايل على القاعدة فيعتنق الإسلام اعتناقا غير نابع من إرادة حرة مؤسسة على اقتناع العقل ، وارتياح القلب .
3-                مقصد حفظ الدّين  و هو من الكليات الخمس المتواضع عليها ، ووجه منافاة هذا الموضوع له يكمن في أن المسلم محمول عليه حمل مشعل الدعوة و تقديم رسالة دينه الخالدة إلى الإنسانية على نحو لا يشوبه التشويه ، مما يحمله واجب مواكبة عصر المنظومة الكونية لحقوق الإنسان و رغم تحفظنا على بعض تضميناتها عليه مواكبة هذه ، و البحث في نقاط التقاطع التوفيقية بين ثوابت دينه من جهة و المرجعيات الحقوقية الكونية من جهة أخرى حتى لا ينفر العالم من دينه
4-                مقصد المودة و الرحمة و أساسه (الروم 21) و يتحصص منه أن العبرة في الزواج ليست في ديانة الطرفين بقدر ماهي في حصول المودة و الرحمة فطالما توفرت هذه المعاني اللطيفة فلا ضير في الاقتران ، و كم من زوج هجين متجانس ، و كم من زوج ينتسب طرفاه إلى دين واحد بل ملة واحدة ينزف معاناة و ألما .
المقاربة القانونية للمسألة

(يتبع)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

موت إيفان إيليتش لليون تولستوي : مقاربة غير نقدية

إذا ما نحن رُمنا وصمَ كتابات ''ليون تولستوي'' بأحد النعوت ، ملتمسين أدناها إلى التعبير عن كنهها ،  لن نتردد كثيرا في اختيار...